responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 367
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا لِأَجْلِهِ صَرَفَ الْمُتَكَبِّرِينَ عَنْ آيَاتِهِ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ [الأعراف: 146] بَيَّنَ حَالَ أُولَئِكَ الْمُكَذِّبِينَ فَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَابِ الْعِقَابِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْمَلُ بَعْضَ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَبَيَّنَ تَعَالَى حَالَ جَمِيعِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَكَبِّرًا أَوْ مُتَوَاضِعًا أَوْ كَانَ قَلِيلَ الْإِحْسَانِ أَوْ كَانَ كَثِيرَ الْإِحْسَانِ فَقَالَ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ يَعْنِي بِذَلِكَ جَحْدَهُمْ لِلْمِيعَادِ وَجَرَاءَتَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أَعْمَالَهُمْ مُحْبَطَةٌ وَالْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْإِحْبَاطِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وَفِيهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؟ أَوْ عَلَى مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ فِي أَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِمُجَرَّدِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الْوَاجِبَ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ قَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا جَزَاءَ إِلَّا عَلَى الْعَمَلِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْوَاجِبِ بِعَمَلٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجَازَى/ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَى فِعْلِ ضِدِّهِ. وَأَجَابَ أَبُو هَاشِمٍ: بِأَنِّي لَا أُسَمِّي ذَلِكَ الْعِقَابَ جَزَاءً فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ.
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَا الْجَوَابِ: بِأَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا سُمِّيَ جَزَاءً لِأَنَّهُ يَجْزِي وَيَكْفِي فِي الْمَنْعِ مِنَ النَّهْيِ وَفِي الْحَثِّ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ تَرَتَّبَ الْعِقَابُ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْكِ الْوَاجِبِ كَانَ ذَلِكَ الْعِقَابُ كَافِيًا فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ التَّرْكِ فَكَانَ جَزَاءً، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ جَزَاءً. والله اعلم.

[سورة الأعراف (7) : آية 148]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)
[في قوله تعالى وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قِصَّةُ اتِّخَاذِ السَّامِرِيِّ الْعِجْلَ وَفِيهَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ حُلِيِّهِمْ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لِلْإِتْبَاعِ كَدُلِيٍّ. وَالْبَاقُونَ حُلِيِّهِمْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ مِنْ حُلِيِّهِمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْحُلِيُّ اسْمُ مَا يُتَحَسَّنُ بِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قِيلَ إِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ وَيَسْتَعِيرُونَ مِنَ الْقِبْطِ الْحُلِيَّ فَاسْتَعَارُوا حُلِيَّ الْقِبْطِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ الْقِبْطَ بَقِيَتْ تِلْكَ الْحُلِيُّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَجَمَعَ السَّامِرِيُّ تِلْكَ الْحُلِيَّ وَكَانَ رَجُلًا مُطَاعًا فِيهِمْ ذَا قَدْرٍ وَكَانُوا قَدْ سَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ فَصَاغَ السَّامِرِيُّ عِجْلًا.
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَقَالَ قَوْمٌ كَانَ قَدْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَلْقَاهُ فِي جَوْفِ ذَلِكَ الْعِجْلِ فَانْقَلَبَ لَحْمًا وَدَمًا وَظَهَرَ مِنْهُ الْخُوَارُ مَرَّةً وَاحِدَةً. فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى! وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهُ كَانَ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ الْعِجْلَ مُجَوَّفًا وَوَضَعَ فِي جَوْفِهِ أَنَابِيبَ عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ وَكَانَ قَدْ وَضَعَ ذَلِكَ التِّمْثَالَ عَلَى مَهَبِّ الرِّيَاحِ فَكَانَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ فِي جَوْفِ الْأَنَابِيبِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ صَوْتٌ مَخْصُوصٌ يُشْبِهُ خُوَارَ الْعِجْلِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ التِّمْثَالَ أَجْوَفَ وَجَعَلَ تَحْتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نَصَبَ فِيهِ الْعِجْلَ مَنْ يَنْفُخُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ فَسَمِعُوا الصَّوْتَ مِنْ جَوْفِهِ كَالْخُوَارِ. قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ وَالنَّاسُ قَدْ يَفْعَلُونَ الْآنَ فِي هَذِهِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي يُجْرُونَ فِيهَا الْمَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْفَوَّارَاتِ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 367
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست